24 يونيو 2010 : ايطاليا تخسر من سلوفاكيا 3-2 وتودع كأس العالم من دور المجموعات .. بعد 4 سنوات وفي نفس اليوم 24 يونيو 2014 : ايطاليا تخسر من اوروجواي 1-0 وتودع كأس العالم من دور المجموعات ايضاً ! .. من يشاهد هذه المسيرة يجزم أن المنتخب الايطالي انهار ووصل لأدنى المستويات لكن في الوقت ذاته يتراجع عندما يتذكر أن بين البطولتين وصل لنهائي بطولة امم اوروبا ! .. تناقض غريب لكنه معتاد في الكرة الايطالية المليئة بالتناقضات ..
بعد الاخفاق من السهل رمي التهم والتنظير واتهام الجميع بالفشل والحديث عن مدرب سيء ولاعبين متواضعين مضخمين اعلامياً ، في المقابل من السهل الدفاع واعتبار ماحدث مجرد عثرة لم تكن لتحدث لو سجل بالوتيلي الانفراد امام كوستاريكا .. لكن في الواقع ماحدث هو فشل مشروع اشترك فيه الجميع وفي اسوأ الاحوال كان بالإمكان اظهاره بشكل اقل سوء مما شاهدنا في البرازيل ، بالإضافة إلى امور طبيعية لا يملك احد تغييرها ..
اول وأهم اسباب ازمة المنتخب الايطالي هي " الطبيعة " .. ببساطة لا توجد مواهب شابة استثنائية وتحديداً في خط الدفاع .. هناك اسماء مميزة من الممكن العمل عليها وتطويرها لكن من المستحيل لا بالمال ولا بالفكر أن يتم تحويل دي شيليو إلى مالديني - انسيني إلى سينيوري - ايموبيلي إلى باولو روسي .. الخ ، كل جيل تبقى له خصوصيته بعيداً عن المقارنات الغير مجدية والتي تقتل اللاعبين الشباب .. في المقابل لا يمكن بعد أول اخفاق أن نقول عن فيراتي وزملائه انهم فقاعات صنعها الاعلام !! الواقعية مطلوبة وتحديداً في تقييم اللاعبين الشباب ..
ايضاً هناك ازمة ثقة بين الاندية الايطالية واللاعبين الايطاليين الشباب نشأت بعد عدة رهانات خاسرة وسوء لتقييم المدربين لها جعلت الاندية تفضل الرهان على اسماء متواضعة من امريكا الجنوبية بينما تموت العديد من الاسماء الشابة في غياهب الدرجة الثانية ، واكبر مثال على ذلك فيراتي الذي اعتبر المبلغ المطلوب لبيعه من بيسكارا " 13 مليون يورو " ضرب من الجنون ولم يفكر كبار الكالتشيو بدفعه لكن عندما برز وتألق مع PSG اصبح هناك استعداد لدفع اكثر من هذا المبلغ لأجله .. والسؤال ، لولا زيمان أين سيكون فيراتي - انسيني - ايموبيلي الان ؟ وكم من موهبة على غرار هذا الثلاثي مازالت تنتظر زيمان اخر يبرزها للطليان ؟!
عندما ننظر إلى بدايات الجيل الذهبي الاخير للكرة الايطالية نجد أنهم فازوا ببطولة امم اوروبا تحت 21 عام ثلاث مرات متتالية مع المدرب الكبير تشيزاري مالديني .. تلك الالقاب كان ابطالها " بوفون - تولدو - نيستا - كانافارو - توتي - دل بييرو - فييري - انزاجي .. والقائمة تطول " .. هذه الاسماء إضافة إلى امكانياتها الاستثنائية وجدت الدعم من الاندية وفُتح لها المجال من قبل المدربين لكن عندما نشاهد اخر جيل شاب لإيطاليا تألق في اليورو تحت 21 عام ووصل لنهائي البطولة الماضية عام 2013 نجد منهم " فيراتي - فلورينزي - انسيني - ايموبيلي - بوريني .. الخ " فقط اسماء في الوسط والهجوم تواجدت في دوري الدرجة الاولى بينما لاعبو الدفاع مازالوا في جروسيتو - امبولي - تشيزينا - تشيتاديلا وغيرها من اندية الدرجة الثانية ! قد تكون موهبتهم اقل من المطلوب لكن بلا شك هناك اسماء اجنبية في دوري الدرجة الاولى وحتى مع الاندية الكبيرة اقل منهم بكثير !
هناك مراكز تقوم عليها طريقة لعب برانديلي وتحديداً في الاطراف " الظهيرين - الجناحين " .. في يورو 2012 نجح مع ماجيو وبالزاريتي وكلاهما في سن الـ 30 لكن بعد سنتين اختلف الوضع وعانا من اصابات وتراجع في الاداء .. من أين يأتي بظهير وايطاليا بأكملها لا تمتلك سوى دي شيليو الذي بدوره اصيب ولم يعد إلا في المباراة الاخيرة ؟! .. فقط في هذه النقطة اجد بعض العذر له لكن هذا لا يلغي الاخطاء الكارثية التي وقع بها منذ البداية ..
لماذا خسر برانديلي في اسبوعين مجموع ماخسره منذ توليه مهمة تدريب المنتخب في اكتوبر 2010 ؟!
اولاً / تغيير هوية اللعب : الاتحاد الايطالي وبرانديلي حاولا محاكاة الاسلوب الاسباني باللعب الهجومي والاعتماد على الاستحواذ .. ايطاليا تخلت عن هويتها التكتيكية الواقعية في وقت اقتبست فيه منتخبات عرفت بالنهج الهجومي الاسلوب الواقعي الايطالي ! .. من هنا نشأت المشكلة حينما وجد اللاعبون ادوار وطريقة لعب في المنتخب تختلف عما اعتادوا عليه في انديتهم ، ضاعت الهوية فظهرت ايطاليا مشوهة ..
ثانياً / اختيار مكان المعسكر : برانديلي اختار " مانجاراتيبا " مقراً لإقامة المنتخب بها وهي قرية تقع في جنوب البرازيل بينما تقام مباريات ايطاليا في شمالها مما اضطره لقطع 13 الف كلم في المباريات الثلاث وهو ما انتقده عليه الاعلام قبل البطولة وبعض الخبراء مثل اليساندرو التوبيلي الذي وصف ذلك بالأمر الغريب والمؤثر بدنياً وذهنياً على اللاعبين .. نتيجة ذلك مع حرارة ورطوبة الاجواء في البرازيل شاهدنا منتخب غير قادر على الركض في الشوط الثاني ..
ثالثاً / تخبطات برانديلي التكتيكية : طوال مشواره التدريبي لعب برانديلي بأسلوب واحد " 4-3-3 " لكن عندما وصل للمنتخب خرج بتصريح غريب يطالب فيه اللاعبين بأن يكونوا مستعدين لتطبيق 7 خطط ! .. في السنوات الاربع الماضية لم نشاهد المنتخب الايطالي يلعب 3 مباريات متتالية بأسلوب ورسم تكتيكي واحد .. بل وشملت التغييرات العديد من الاسماء ، احياناً للإصابات وتراجع الاداء دور لكن التغيير في العناصر بين اليورو - القارات والمونديال شيء غير معقول !
في كل مباراة هناك طريقة لعب واحياناً العناصر لا تناسب تلك الطريقة .. مثلاً مباراة اوروجواي ، بالغ برانديلي بالتحفظ ولعب بتشكيلة لا تضم لاعب واحد يمتلك السرعة ، كيف بإمكانه أن يصنع هجمة مرتدة في وقت كان يمتلك على الدكة تشيرتشي وانسيني ؟ .. خطأ اخر ارتكبه وهو البداية برأسي حربة داخل المنطقة ومع الاسف كانا معزولين تماماً في ظل غياب لاعب يربط الوسط بالهجوم حيث الجميع بخصائص دفاعية اكثر منها هجومية .. كذلك اشراك فيراتي مع بيرلو وهي مسألة راهنت على فشلها قبل المونديال وسط اعتراضات البعض وبالفعل ثبت أن هذا الثنائي لا يمكن أن يجتمع في تشكيلة واحدة ، زحمة في الوسط وتداخل للأدوار مع هجوم معزول ودفاع مكشوف يغلف ذلك حالة بدنية وذهنية سيئة لذلك شاهدنا اداء بطيء عقيم بحلول معدومة .. حتى التغييرات كانت سيئة ، دخول لاعبي ارتكاز ومهاجم بطيء " كاسانو " ! اسوأ مباراة في مشوار برانديلي التدريبي ..
رابعاً : غياب الروح .. تاريخياً اشتهر المنتخب الايطالي بالروح والقتالية بما يعرف بـ " الجرينتا " ، كانت العلامة المميزة للاتزوري عن باقي المنتخبات وبفضلها قهر ظروف وخصوم اقوى منه والامثلة عديدة ومعروفة .. بدون رغبة وقتالية لا يمكن لأي مجموعة أن تفوز وتزيد هذه الاحتمالية عند ايطاليا بالذات .. ما اتضح بعد الخروج من مشاكل وانقسام في غرفة الملابس وفشل برانديلي في السيطرة على الوضع أوضح سر غياب الروح التي لم تظهر إلا في مباراة انجلترا وهذا النوع من المباريات كما يقول بوبان تحفز اللاعبين تلقائياً دون الحاجة للمساعدة من أحد ، بينما امام كوستاريكا واوروجواي شاهدنا لاعبين غير متحدين يلعبون بلا رغبة وهذا من اهم اسباب السقوط .. نقطة يتحملها برانديلي اولاً ثم اللاعبين وتحديداً بعض العناصر المعروف عنها قلة الانضباط واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية ..
انقسام في غرفة الملابس - تمرد لاعبين وتدخل اخرين في التشكيلة - توتر وتغييرات متكررة في التشكيلة واسلوب اللعب كل تلك الامور كشفت جانب سلبي في شخصية برانديلي ..
انقسام في غرفة الملابس - تمرد لاعبين وتدخل اخرين في التشكيلة - توتر وتغييرات متكررة في التشكيلة واسلوب اللعب كل تلك الامور كشفت جانب سلبي في شخصية برانديلي ..
هذه النقاط الاربعة برأيي كانت اهم عوامل الخروج المفاجئ من الدور الاول .. المشروع والمواهب وازمة الاندية لها تأثير لكنها بلا شك ليست مبرر للخروج في مجموعة تأهلت منها كوستاريكا التي لا تملك مواهب خارقة ولا اندية قوية ولا اموال ..
إجمالاً .. ايطاليا سقطت في المونديال لكن ايضاً سقطت اسبانيا وانجلترا والبرتغال بمواهبها وانديتها واموالها ، الخروج لا يجب أن يكون نقطة نهاية بل يجب اعتباره نقطة بداية للمدرب الجديد الذي سيجد امامه عدد من الاسماء الجيدة جداً والتي بإمكانها تكوين منتخب محترم يعيد لإيطاليا شيء من هيبتها في المونديال القادم ، على أمل ان تحمل السنوات القليلة القادمة مفاجآت بظهور مواهب حقيقية تعيد الاتزوري لمكانه الطبيعي على منصات التتويج ..
ايطاليا يجب أن تعود أولاً لهويتها .. اللعب الواقعي وتكوين منظومة دفاعية صلبة " مهما كانت الاسماء " مع بناء هجمات مرتدة سريعة ، اما اسلوب الاستحواذ فله مدارسه وبلدانه .. نقطة يجب أن يعيها الطاقم الإداري والفني الجديد للمنتخب ..
سيريجو - دي شيليو - رانوكيا - فيراتي - جورجينيو - انسيني - ايموبيلي - ديسترو وربما الشعراوي و بيراردي .. اسماء تستحق الاهتمام ويمكن أن يتم عليها بناء منتخب شاب جديد لن يصل لمستوى جيل 2006 لكن يمكنه مقارعة منتخبات 2014 فـ كرة القدم تغيرت ومانشاهده في المونديال الحالي امتداد لما شاهدناه من اتلتيكو مدريد و بوروسيا دورتموند ، كرة القدم اصبحت لعبة جماعية يتغلب فيها من يمتلك منظومة تكتيكية قوية لا من يمتلك اسماء رنانة .